المختار السالم - موسم الذاكرة
سطور عن المؤلف
المختار السالم أحمد سالم، أحد أكبر الشعراء الموريتانيين المعاصرين، ورائد أدب ما بعد الحداثة في موريتانيا. ولد في واد الناقة، جنوب موريتانيا، عام 1968 وأحد أكبر الكتاب الصحفيين الموريتانيين (إنتاجا وإدارة). شارك في العديد من الدورات التدريبية والتكوينية في مجالات الإعلام المختلفة. ومثل موريتانيا في عدة مهرجانات شعرية وثقافية في الوطن العربي (المربد– العراق 1989، الجناديرية – السعودية 1995، مهرجان نواكشوط الدولي للشعر 2006... إلخ). وفاز عام 2012 بالمركز الأول في أول جائزة رسمية موريتانية للصحافة. ويعمل كاتبا صحفيا بالوكالة الموريتانية للأنباء.
صدر له حزمة الأعمال الأدبية، منها: "سراديب في ظلال النسيان" (شعر) صدر 1999 – نواكشوط (طبعة أهلية). و"موسم الذاكرة" (رواية) – طبعت 3 مرات: 2006 عن دار الشروق (الأردن). طبعة ثانية 2013 دار القرنين (موريتانيا). طبعة ثالثة 2015 عن دار لارمتان (الفرنسية). و"القيعان الدامية" (شعر) صدر عن دار الفكر – بيروت 2009. (منشورات اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين). و"وجع السراب" (رواية) صدرت 2015 عن "دار القرنين" بنواكشوط. و"هذا هو النهد الذي اعترفت له" (شعر) – صدر في باريس عن داري "دفاتر ملارمي" و"لارمتان" 2016. و"البافور" (أول ديوان من الشعر النثري يصدر في موريتانيا) صدر 2016 عن "دار القرنين" في نواكشوط. و"يأتون غدا!" (شعر) – صدر 2017 ضمن سلسلة "إبداعات عربية" عن دائرة الثقافة في الشارقة. و"زمن الأنفاس المهجورة" (شعر نثري)، و"في ظلال الحروف" (عن دار إي-كتب)
هذا الكتاب
مضغا لذكرى الأجداد، أو يأسا من عقم الواقع السريالي، تجد خطوك الرتيب في حركة دائرية، كأنك في المساءات الواسعة مجرد رغوة للحضور الخصيم.. تتوزع كلماتك في الفراغات الضيقة كما تتوزع الورود في النباتات الشوكية.. كان جدك يداعب خيله على تلة نائية وسط قعقعة الفراغات الممتدة من تل رملي إلى آخر، وكان يشاهد الفرسان يعبرون من الأندلس حاملين جراحهم، مثقلين بأعباء المعركة..
كان جدك يحسب الأبعاد بين المدارات الفلكية بحصى الرمال، وهو يحفظ القصائد الجاهلية ويشارك وجدانيا في الحرب مع الزير سالم، دون أن تنبح الكلاب الضالة لتفزع الأطفال النائمين تحت الخيام العالية.. وكنت مشغولا بفلسفة الطبيعة، غارقا في السببية الحتمية لاختلاف المحيط البيئي، فصراخ الصمت المهيب في وديان الملح، والرقصات الصوفية لأغصان الطلح والأراك، واختلاط العطور العشبية في الأودية العميقة.. كلها مؤكسدات طبيعية للجاذبية النفسية نحو البحث عن الأصول...
ليس الأمر بيدك.. وليست مسبباته هي الأخرى رأي عينيك.. أو مرتع حلمك القريب.. لو أصبحت عشابا لكان ذلك على الأقل مدعاة للسخرية الغضة فيما هو موجود.. ولكنك انغمست في التماع المغارات العميقة للانهزامية المبكرة.. لتصبح الذاكرة دليلاً على أنك كنت يوما ما موجودا...
أما وقد أصبح وجودك مقتصرا على الحبر اليابس.. فأنت حالة حبرية مجردة في التفكير الجمعي لهواة التراث... من حقك أن تصرخ اليوم في الوجوه الباهتة:
أيها العابرون فوق المروج النارية، مخضبين بالطين، عابثين بالمسار، مقنعين بالفقاعات البيضاء، غارسين الأمل في حوامض التيه والضياع..
أيها الناظرون إلى النجوم البعيدة، ليس كل مرئي يدرك.. ولا كل براق مضيئا.. ولا كل مظلم شرا.. وليس كل خطو مقدما.. ولا كل اندفاع منجيا..
أيها المتعبون من رثاء الخيول والحالة العامة، الباكون على القيم النيرة، والسيرة العطرة لأمهات النهوض والانبعاث من الجاهلية الإلكترونية إلى صراط الله المستقيم...
أيها القابضون على جمر القضية العامة.. المتألمون من سهام الكل.. المستحمون من دموع الجراح الجسدية... لقد أصبحتم هدفا للرماية المسلية.. كل يرميكم في وقت فراغه بما تيسر له من صخور.. فهل أنتم شياطين في موسم الحج البشري؟!.. من زرع فيكم السكون إلى هذا الحد المظلم؟!...
تذكروا دائما أن لكم ذاكرة من حبر.. وصراطا من ضوء.. وتذكروا أنكم كنتم تطلبون السماء... تذكروا أن من تقاليد الخيل أن تعود للسباق وهي متعبة.. تذكروا.. تذكروا..
مقتطف