زهير نجار - يتيم

هذا الكتاب

وجدت نفسي في عالم غريب ومثير! فلم تكن عقوبة المدير ومنع الموظفين من التعامل معي وبالاً عليَّ بل ملاذاً محبّباً بتُّ أتأقلم معه بما أتاحه لي من فرصة للعزلة والتأمُّل والتفكير الهادئ العميق. ولكي أملأ وقتي وأمنع الملل من التسلّل إلى نفسي، بدأت أفتح الصناديق التي تحيط بي واحداً تلو الآخر، فرأيت في داخلها مشاريع الأعمال الهندسية التي قامت بها الشركة. درستها بإسهاب ووضعت يدي على نقاط القوة والضعف فيها. كنت أهتم بكل شاردة وواردة عن التفاصيل التصميمية للدراسات؛ فرأيت أنها لا ترتقي إلى مستوى الدراسات الألمانية ودقّتها. وأتاحت لي قراءتي لمجموعة من الملفّات والأضابير معرفة الكثير عن آليات عمل فرع الشركة ومستواه العلمي والهندسي.

الوحيد الذي كان يرمي السلام عليّ من بين موظفي الفرع هو المهندس الحاج عمر الذي لم يكن يهتم بتوجيهات المدير أو يأبه لها. رجل تجاوز الخمسين من العمر، وقور محترم وله مكانة خاصة في فرع الشركة.. صادفته مرةً خارجاً في نهاية الدوام وهو يمر أمام سيارتي أثناء خروجي من الكراج، فتوقفت وعرضت عليه أن يصعد معي لأوصله إلى بيته. فوافق بسرور وجلس في السيارة. تقصدت الابتعاد عن الحديث عمّا يتعلق بالشركة، وسألته عن مكان سكنه، فأجابني أنه يسكن في شارع النيل. فابتسمت وقلت له إنّ هذا هو طريقي اليومي إلى بلدتي كرم الجبل.

مقتطف