محمد فاهي - الليلة الأخيرة من كتاب البستان

هذا الكتاب

سأعود بك يا صديقي إلى نجمة. وهذا غيض من فيض الحكاية:

في إحدى الليالي، عندما رأت جميعة وصديقاتها، كيف تحضر نجمة دواة السماق وتبري قلم القصب، ارتبن وتوجسن. ثم أخذت الشابات تتهامسن في ما بينهن، حين تلتقين داخلات أو خارجات من الغرفة إلى حوشها الصغير، فيما إذا ما كانت نجمة تحضر لأمر غريب. تجرأت جميعة وسألتها بين المزاح والجد:

- إذا كنت تعدين سحرا من أجل أ ن نطيعك، ها نحن (نطلب التسليم). فقط أوقفي ذلك القصب. إن خشخشته على الورق تخدش جوارحي.

قالت راضية:

- بصدق. لن تنالي منا ابتداء من اليوم إلا التوقير والاحترام. سنعفيك من دورك في أشغال البيت. وإذا عزمت على كتابة (سبوبات) للنساء، نعفيك من الخدمة خارج البيت.

بمرح قليل قالت فاطنة:

- وماذا لو كانت تنوي تزويجنا، أو فتح أبواب السعد في وجوهنا؟

عرضت عليهن نجمة ورقة، عندما ملأتها بخطوط سوداء عريضة. لم تتجرأ أية واحدة منهن على لمسها. نفخت نجمة على السائل الأسود الخاثر لتنشيفه، فزادهن ذلك حيرة.

كانت نجمة قد كتبت أولى رسائلها إلى جابر، بلغة هي خليط من الدارجة والفصحى. قرأتها عليهن، لكن بقي في نفوسهن شيء من الارتياب. سألنها من جديد عن جابر. ردت عليهن بأنها لا تقدر على قول كلمة، ما لم تبدين ثقتهن وتصديقهن لما تكتب. طمأنتها راضية وتابعتها جميعة وفاطنة محدقتان في وجهها، كأنهما تبحثان في ملامحها عن أية إشارة تتعلقان بها.

صمتت نجمة لوقت، غير قادرة على الكلام. أخذت الرسالة مرة أخرى، وتوجهت إلى صديقاتها:

- لم لم تسألني أية واحدة منكن كيف سأرسل هذه الرسالة؟

مقتطف